الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)
.فصل في الإقرار: وهو لغة الاعتراف. قال في الذخيرة: الإقرار والدعوى والشهادة كلها إخبارات، والفرق بينها أن الإخبار إن كان يقتصر حكمه على قائله فهو الإقرار، وإن لم يقتصر فإما أن لا يكون للمخبر فيه نفع فهو الشهادة أو يكون وهو الدعوى. اهـ. وقال ابن عرفة: هو خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو بلفظ نائبه إلخ. فقوله: خبر أخرج به الإنشاآت كبعت وطلقت، وقوله: يوجب حكم صدقه على قائله أخرج به الرواية والشهادة لأن القائل إذا قال: الصلاة واجبة مثلاً فذلك خبر أوجب حكم صدقه على مخبره وغيره، وإذا شهد على رجل بحق فإنه خبر أوجب حكم صدقه على غيره، وإذا قال: في ذمتي دينار فهو خبر أوجب حكم صدقه على المخبر وحده وهو معنى قوله: فقط. وأخرج به أيضاً قول القائل: زيد زان لأنه وإن أوجب حكماً على قائله فقط وهو حد القذف، لكن ذلك ليس هو ما اقتضاه الصدق لأن الذي اقتضاه الصدق هو جلد غيره مائة أو رجمه إن كان محصناً، وزاد قوله: أو بلفظ نائبه ليدخل قول الرجل لآخر أقر عني بألف فإنه إقرار لا وكالة يحتاج فيها إلى إقرار الوكيل كما مّر في الوكالة، وليدخل إقرار الوكيل عن موكله.(ومالك لأمره) أي بالغ رشيد غير مكره لأن المكره لا يملك أمره ولا يلزمه إقرار كما لا يلزم المحجور من صبي وسفيه وعبد وسكران ومرتد (خ): يؤاخذ المكلف بلا حجر بإقراره لأهل لم يكذبه إلخ. لأن فائدة الحجر على من ذكر هي رد تصرفاتهم التي من جملتها الإقرار بالدين إلا أن يجيزه السيد من العبد والسكران ومحجور عليه فيما يتعلق بالأموال والمعاوضات بخلاف الطلاق والعتق والجناية فإنها تلزمه كما قال: والمرتد محجور عليه بعد إيقافه للاستتابة ولا إشكال في ذلك إن قتل، وأما إن رجع إلى الإسلام فهو مؤاخذ بإقراره، وكذا المفلس فهو مؤاخذ بإقراره، وإنما الخلاف هل يحاصص المقر له الغرماء أم لا (خ): وقبل إقراره بالمجلس إن ثبت دينه بإقرار لا ببينة وهو في ذمته إلخ. ودخل في كلامه الزوجة لأنها لا حجر عليها في الإقرار ولو في زائد الثلث، إذ ليس هو من التبرع، وكذا المريض فإن إقراره ماض لمن لا يتهم عليه ولو في الزائد على الثلث، وقول (خ) لم يكذبه يعني فإن كذبه بطل سواء كذبه قبل الإقرار أو بعده ولا يقبل رجوعه لتصديقه إلا بإقرار ثان، ونظيره من قال لامرأة: تزوجتك فأنكرت ثم قالت: نعم فأنكر فإن ذلك ليس بإقرار لأن من شرط صحة الإقرار أن يتفق المقر والمقر له في تصديق كل واحد منهما صاحبه في وقت واحد، وهذا إذا لم يكن هناك عذر وإلاَّ فرجوع المقر له لتصديق المقر بعد تكذيبه مقبول مثل أن يقر أحد الورثة أن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة ثم جاءه شهود أخبروه أن أباه أشهدهم أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحازها له، فإنه إذا رجع عن إقراره فإن التركة كلها موروثة لا هذه الدار المشهود له بها دون الورثة. واعتذر بأخبار البينة وأنه لم يكن عالماً بذلك حين أقر بناه على العادة فإنه تسمع دعواه وعذره ولا يكون إقراره السابق مكذباً للبينة قادحاً فيها قاله القرافي في فروقه. قال أبو العباس الملوي: اعتمد ما للقرافي غير واحد من الحفاظ المتأخرين وتلقوه بالقبول منهم: أبو سالم إبراهيم اليزناسي. اهـ. وبه تعلم ضعف ما في (خ) عن سحنون من أن إقراره الأول مكذب للبينة فلا ينتفع بها. نقله في باب الإقرار والقسمة بعد ان نقل عن المازري أنه أفتى بمثل ما للقرافي، وبالجملة فالمعتمد ما للقرافي وبه كنت أفتيت. انظر شرحنا للشامل، ويؤيده ما مر أول الاستحقاق.ثم اعلم إن المالك لأمره تارة يقر في صحته وتارة في مرضه، وفي كل منهما إما أن يكون المقر له وارثاً أو أجنبياً فأخبر هنا أن المالك لأمره إذا (أقرَّ في صحته لأجنبي اقتفي) إقراره واتبع ولزم فقوله: اقتفى خبر عن قوله ومالك لأمره، والجملة بعده صفة له ومفهوم لأجنبي هو قوله: (وما) أقر به في صحته أيضاً (لوارث ففيه اختلفا) فمنهم من أبطله للتهمة وهم المدنيون في روايتهم عن مالك، ومنهم من أجازه وهم المصريون في روايتهم عن الإمام أيضاً وهو المشهور وعليه عول الناظم فقال: (ومنفذ له) أي لإقراره (لتهمة نفى) عنه لكونه في حال الصحة فلا تلحقه فيه تهمة ولا توليج. (و) إذا لم يلحقه ذلك ف (رأس متروك المقر) بنصب رأس مفعول بقوله: (ألزما) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير المنفذ وهم المصريون (و) إذا كان يؤخذ من رأس ماله ومتروكه فإن وفى به فلا كلام، وإن لم يوف به لاستغراق الديون تركته ف (هو) أي المقر له يحاصص (به في فلس كالغرما) يحاصص بعضهم بعضاً، ولكن إنما ذلك في الدين الحادث بعد الإقرار، وأما القديم قبل الإقرار فمقدم اتفاقاً كما في (ح) ثم إن ما درج عليه الناظم من نفوذ إقرار الصحيح لوارثه هو المشهور. قال المتيطي: وعليه العمل، واقتصر عليه ابن حارث، وكذا صاحب الكافي حيث قال: وكل من أقر لوارث أو غير وارث في صحته بشيء من المال أو الدين أو البراءة أو قبض أثمان المبيعات فإقراره عليه جائز لا تلحقه فيه تهمة ولا توليج، والأجنبي والوارث في ذلك سواء، وكذا القريب والبعيد والعدو والصديق في الإقرار في الصحة سواء. اهـ. ثم محل الخلاف في إقرار الصحيح للوارث إن كان لا يعرف وجه ما أقر به ولا سببه، وأما إن عرف ذلك ككون أم المقر له ماتت وتركت مالاً وأقر أبوه له به، أو أقر لزوجته بقدر كالئ صداقها، أو أقر لابنته بعدد يعلم منه أنه كان يلابسها ويبيع لها ما اكتسبته بيدها، فهو جائز نافذ باتفاق المصريين والمدنيين، وإقرار المريض للوارث مع علم السبب كذلك يجوز اتفاقاً أيضاً كما يأتي في قوله: وحينما الإقرار فيه للولد إلخ. وهذا كله إذا كان المقر له ممن يشبه أن يملك مثل المقَّر به لكونه معروفاً بالتكسب والإرث من أمه ونحو ذلك فإن كان ممن لا يشبه أن يكون تكسب أو ورث مثل هذا المال المقّر به بل ما أقرّ به أكثر مما يشبه تكسبه أو إرثه أو كان لا يعرف بتكسب ولا إرث أصلاً فلا يعمل بذلك الإقرار. قال أبو الفضل البرزلي في مسائل البيوع من ديوانه ما نصه: إقرار الأم بدين للابنة في صحتها نافذاً لا أن تكون الابنة غير معروفة بتكسب ولا فائد من ميراث أو غيره فإقرارها حينئذ بما لا يشبه أن يكون لها محض توليج. اهـ.قلت: ولذلك قالوا: إذا ادعت المرأة من متاع البيت الذي شأنه أن يكون للنساء ما لا يشبه أن تملكه لضعف حالها وقلة صداقها وعدم معرفتها بالتكسب لا يكون لها منه إلا قدر صداقها كما مر، فكذلك هذا لا يكون له منه إلا قدر تكسبه أو إرثه، وظاهر النظم أن إقراره نافذ ولو لم يتقدم من المقر له طلب في صحة المقر، وهو كذلك على المشهور. ولكن في نظم العمل أن المقر له لا ينتفع بالإقرار إلا مع قيام البينة أنه كان يطلب المقر بما أقر به في حياته وصحته ونصه: ومحل الخلاف أيضاً في الإقرار بالدين ونحوه مما لا يعرف أصل ملكه للمقر يعني بعينه وأما إقرار الرجل في صحته أو مرضه بما يعرف ملكه له من شيء بعينه أنه لفلان وفلان وارث أو غير وارث فإنه يجري مجرى الهبة والصدقة ويحل محلها إن حاز ذلك المقر له به في صحة المقر جاز له، وإلاَّ لم يجز بلا خلاف قاله ابن رشد ونقله (ح) وغيره. وفي نوازل الهبات من المعيار ما نصه: قال ابن دحون لابن زرب: فلو أن رجلاً أقر بدار لابن له صغير فقال: يحل هذا الإقرار محل الهبة إن كانت الدار معروفة للأب وسكنه فإن خرج منها وحازها لابنه بعد الإقرار وإلاَّ بطل، وإن كانت غير دار سكناه نفذ إقراره يعني لأن الأب يحوز لابنه الصغير غير دار السكنى كما قال (خ) إلا لمحجوره إذ أشهد وصرف الغلة له ولم تكن دار سكناه إلخ. قال ابن زرب: وإن لم يعلم في دار السكنى أو في غيرها أنها ملك للمقر جاز وإن لم يحزها. اهـ. وبالجملة؛ فما لم يعلم أصله للمقر وصح فيه إقرار الصحيح لوارثه وما علم أصله له من المعينات من أصول وأثاث وحيوان أن يجري إقراره فيه مجرى الهبة إن حيز في صحته صح وإلا فلا. ويعرف أصله للمقر بأن كان يحوزه ويتصرف فيه ستة أشهر أو عشرة كما للوانشريسي إثر جواب ابن رشد، وأما إن أقر بأملاك لابنته عند عقد نكاحها فإنها نافذة ولو لو تحز كما تقدم في النكاح.تنبيه:وعلى المقر له بالدين في الصحة اليمين أنه ترتب له ذلك المقر له كما في المعيار عن ابن لب، ونقله شارح العمل في البيت المتقدم ونحوه في (ح) ونظم العمل المطلق خلافاً لما في التبصرة في الباب التاسع والعشرين من القسم الثاني. ثم أشار إلى إقرار المريض بقسميه لأنه إما لأجنبي أو قريب فقال: (وإن يكن) الإقرار (لأجنبي في المرض) المخوف (غير صديق) صفة لأجنبي (فهو) أي الإقرار (نافذ الغرض) معمول به ورث كلالة أم لا. ومفهوم لأجنبي أنه إذا كان في المرض لقريب أو لصديق ملاطف فهو قوله: (ولصديق) ملاطف (أو قريب لا يرث) كالخال والعمة والخالة (يبطل) الإقرار حيث وقع (ممن بكلالة ورث). ومفهومه أنه إذا ورث بغير كلالة فإن إقراره صحيح وهو كذلك على المشهور كما لابن رشد، ونقله ابن سلمون وغيره. وهذا حيث لا دين محيط عليه وإلاَّ فلا يقبل إقراره لقريب ولا لملاطف، والمراد بالكلالة هنا الفريضة التي لا ولد فيها ذكراً أو أنثى وإن سفل بأن كان فيها أبوان أو زوجة أو عصبة، وأما الكلالة في باب الميراث فهي الفريضة التي لا ولد فيها ولا والد وفيها يقول القائل: (وقيل بل يمضي) إقرار المريض لمن ذكر (بكل حال) ورث كلالة أو لا. والقولان قائمان من المدونة ومشهورهما ما تقدم. (وعند ما يؤخذ) بالقول (بالإبطال) لكونه ورث كلالة وهو القول الأول. (قيل) يبطل (بالإطلاق) ولا يكون للمقر له شيء لا من ثلث ولا رأس مال وهو المعتمد (و) قيل وهو (لابن القاسم يمضي) إقراره (من الثلث) إن حمله أو ما حمله منه (بحكم جازم) وعليه فتوى ابن سراج في رجل كفل يتيماً فأشهد له في صحته بعشرة دنانير وفي مرضه بخمسين ديناراً عن أجرة له فمات ونازعه الورثة؟ فأجاب: أما العشرة فتجب له، وأما الخمسون فإن كانت قدر أجرته الواجبة له فتجب من رأس ماله وإن كانت أكثر مما يجب له في إجارته كان قدر الإجارة من رأس ماله والزائد من ثلثه. اهـ.وبيانه أن الكافل يلاطف مكفوله، لكن ما أقر له به في الصحة يمضي له على ما مر من رواية المصريين، وما أقر به له في المرض يمضي حيث كان للإقرار سبب اتفاقاً كما هنا لأنه علم أنه كان يؤاجره، نعم قوله الزائد على قدر الإجارة يكون في الثلث إنما يتمشى على قول ابن القاسم وهو ضعيف. ثم أشار لمفهوم قوله: لا يرث إلخ. وهو إقراره لولد أو زوجة أو غيرهما كأخ مع ظهور سبب الإقرار أو عدم ظهوره فقال: (وحيثما الإقرار فيه) أي المرض (للولد مع) وجود (غيره) من الورثة بنين أيضاً أو غيرهم (فليس فيه) أي في ذلك الإقرار (من مرد) بل هو صحيح لازم. (مع ظهور سبب الإقرار) اتفاقاً كأن تشهد بينة بأن الأب قد قبض للولد أموالاً ورثها من أمه، أو باع له أسباباً وقبض أثمانها، أو أوصى له بوصية وقبضها أبوه، وإن لم يبينوا قدر المقبوض لأن ظهور السبب ينفي التهمة بشرط أن يكون المقر له ممن يشبه أن يملك مثل المال المقرّ به، وإلاَّ فلا كما مر قريباً في الإقرار في الصحة. (فإن يكن ذاك) الإقرار (عن اختيار) بأن لم يظهر سبب صحته. (ف) ولد (ذو عقوق) لأبيه (وانحراف) عن طاعته (يحكم له به) لأنه لا يتهم على أن يعطيه ويحرم البار (و) الولد (ذو البرور يحرم) من إقرار الأب له للتهمة، وظاهره أنه يفصل فيه التفصيل المذكور سواء أقرّ له وحده أو مع أجنبي وهو كذلك فنصيب الولد يفصل فيه بين ظهور السبب فيصح وبين عدمه فذو عقوق يصح أيضاً وذو برور يحرم، وما ذكره الناظم هو أحد قولين متساويين في (خ) حيث قال تشبيهاً في القولين: كإقراره للولد العاق إلخ. فيستفاد من الناظم أن القول بالصحة هو الراجح، ومفهومه أنه إذا أقرّ لأحد المتساويين في العقوق أو البرور أو أقر للأقرب مع وجود الأبعد كإقراره لابنته أو لأمه مع وجود العصبة فإنه يبطل اتفاقاً فيهما (خ): لا المساوي والأقرب إلخ. وأما إن أقر للأبعد مع وجود الأقرب كإقراره للعصبة مع وجود الأم أو البنت فإقراره صحيح. (وإن يكن) إقرار المريض (لزوجة بها شغف) حباً فإن ظهر لإقراره سبب ككونه قبض لها مالاً أو عرف أنه باع لها أسباباً فلإقرار صحيح اتفاقاً كما مر، وكذا لو أقرّ لها بقدر كالئ صداقها لأنه لو لم يقرّ به لأخذته من تركته إذ العادة بقاؤه كما مر في النكاح عند قوله: وأجل الكوالئ المعينة إلخ. وإن لم يظهر لإقراره لها سبب ولا كان بكالئ صداقها. (فالمنع) من صحة الإقرار لها واجب إلا أن يجيزه الورثة (والعكس) وهو أن لا يكون مشغوفاً بحبها بل كان يعرف ببغضها (بعكس يتصف) فيلزم الإقرار ويصح ورثه ولد أم لا. انفردت بالصغير أم لا. على المعتمد، وانظر الإقرار بالمجمل للزوجة أو غيرها في (ح) وما فيه من الخلاف أول باب الإقرار، وقد أفتى هو بصحته عند قوله: كزوج علم بغضه لها فيستفاد من فتواه أن الراجح صحته. (وإن جهلنا عند ذاك) الإقرار (حاله) معها من محبتها والميل إليها أو بغضه إياها فإن ورث كلالة لم يصح إقراره كما قال:(فالمنع ممن إرثه كلالة) وإن لم يورث كلالة بأن ورثه ابن واحد ذكر صغير أو كبير منها أو من غيرها صح إقراره كما قال: (ومع واحد من الذكور في كل حال ليس بالمحظور) وإن ورثه بنون ذكور فقط أو ذكور وإناث فالإقرار صحيح أيضاً كما قال: (كذاك مع تعدد) الأولاد حال كونهم (فيهم ذكر) واحد أو متعدد كانوا كلهم منها، أو بعضهم منها وبعضهم من غيرها كباراً كانوا أو صغاراً أو مختلفين كما قال: (ما منهم ذو صغر و) لا (ذو كبر) يختص بصحة الإقرار معه بل هو صحيح لها مع وجود كل من الفريقين أو أحدهما، لكن إن كان فيهم صغار فيشترط أن يكون الصغار من غيرها فقط أو بعضهم منها وبعضهم من غيرها، أما إذا كان الصغار منها فقط ولو إناثاً وبقية الورثة كباراً منها ومن غيرها أو منها فقط، فإن الإقرار لا يصح اتفاقاً، ولذا قال الشارح: كان حقه أن يزيد بيتاً فيقول: ولو قال: وكان من غير ومنها الأكبر وتكون الواو في قوله: ومنها بمعنى (أو) لوفي بما تقدم. (وإن يكن) أي إقرار المريض للمجهول حاله معها متلبساً (بغير ذاك) أي بغير ما ذكر من الكلالة ومن وجود الابن أو البنتين، بل كان الإقرار لها مع وجود بنت أو بنات (مطلقاً) صغاراً كن من غيرها أو كباراً منها فقط أو منها ومن غيرها فقولان (قيل) الإقرار (مسوغ) لها نظراً إلى أنها أبعد من البنت (وقيل متقى) نظراً إلى أنها أقرب من العصبة فإن ورثه مع العصبة صغيرة أو أكثر منها لم يصح إقراره لها اتفاقاً، ولذا قال ولده: كان حقه أن يزيد بيتاً أيضاً فيقول: والمراد بالعصبة ما عدا الابن وإلاَّ فهو ما تقدم (خ): كزوج علم بغضه لها أو جهل وورثه ابن أو بنون إلا أن تنفرد بالصغير ومع الإناث والعصبة قولان إلخ. ولم أقف على من رجح واحداً منهما إلا ما يظهر من كلام الشامل من رجحان الأول، وكذا الناظم حيث صدر به هذا حكم الإقرار للولد والزوجة. (وإن يكن) إقرار المريض (لوارث غيرهما) بالجر نعت لوارث حال كون الوارث (مع) وجود (ولد) للمقر ولو أنثى كإقراره لأم مع وجود ولد أو لأخت مع وجود بنت أو بنات (ففي الأصح) وهو قول ابن القاسم، ورواه ابن عبد الحكم عن مالك (لزما) ومقابله نقله ابن سهل عن ابن زرب فيما إذا كان الولد بنتاً. (ودونه) أي الولد أي وإقراره لوارث غيرهما دون وجود ولد له (لمالك) فيه (قولان) أحدهما (بالمنع و) الآخر ب (الجواز مرويان) عنه، ومحلهما إن كان المقر له مساوياً كإقراره لأحد إخوته المتساويين في الدرجة أو بني عمه كذلك، أو كان أقرب كإقراره لأم مع وجود أخ أو عم والراجح منهما المنع كما تقدم في مفهوم قوله: فذو عقوق وانحراف يحكم له به إلخ. وأما إذا أقر لوارث أبعد مع وجود الأقرب كإقراره للعصبة مع وجود أم أو أقرَّ لأخ لأب أو لأم مع وجود شقيق فإن إقراره صحيح اتفاقاً كما في (ق) عن ابن رشد، وعليه عول (خ) إذ قال: ومريض إن ورثه ولد لأبعد إلخ. وصوابه ومريض لوارث أبعد كما لشراحه. ثم أشار إلى إقرار الزوجة لزوجها في المرض هو كإقراره لها في التفصيل المتقدم فقال: (وحالة) إقرار (الزوجة) لزوجها (و) إقرار (الزوج) لزوجته (سوا) ء بفتح السين فيفصل فيه بين حبها له أو بغضها أو جهل حالها على ما مر (و) إقرار أحدهما للآخر ب (القبض للدين مع) إقراره ب (الدين استوى) ابن رشد. إقرار الزوجة لزوجها في المرض كإقراره هو لها فيه، ولا فرق بين أن يقر أحدهما لصاحبه بدين في ذمته أو بأنه قبض ماله عليه. اهـ. وإطلاقه يشمل الأصدقة وغيرها، فإذا قالت في مرضها: قبضت ديني أو مؤخر صداقي فإن عرف بغضها له صح، وكذا إن جهل وورثها ابن أو بنون إلا أن ينفرد بالصغير منها، وأما إقراره بأن كالئ صداقها باق في ذمته فهو عاطل مطلقاً وإنما يفصل في غيره كما مرّ في قوله: وإن يكن لزوجة بها شغف إلخ. ثم أشار إلى تعدد الإقرار فقال: (ومشهد) على نفسه (في موطنين) أي زمنين مثلاً (بعدد) واحد مثل أن يقر لرجل بمائة درهم ويشهد بذلك شاهدان، ثم يقر له في موطن آخر بمائة درهم أيضاً، ويشهد بذلك شاهدان آخران ولم يأمرهم بالكتب ولا ذكر السبب الذي من أجله ترتب عليه ذلك فالإقراران معاً (لطالب) واحد (ينكر أنه) أي المشهود به في الموطنين (اتحد) ويدعي أنهما مائتان وقال المطلوب: هي مائة واحدة أشهد له بها مرتين. (لهم به) أي بهذا الفرع (قولان) لمالك فقال مرة: القول للطالب بيمينه، وقال مرة: القول للمطلوب بيمينه وهو معنى قوله: (واليمين على كليهما له تعيين) والذي رجع إليه وهو الراجح أن القول للمطلوب، وكذا لو ادعى على رجل بمائة فأقر لربها وادعى القضاء وأقام شاهدين أنه أقر أنه قبض منه خمسين وآخرين أنه أقر أنه قبض منه خمسين فقال رب الحق هي خمسون واحدة من المائة أشهدت لك بها قوماً بعد قوم فهي خمسون واحدة إلا أن يكون أشهدهم في كتابين كما في ابن سلمون، وقولي: ولا ذكر السبب احترازاً مما إذا ذكره فإنه إن اتحد فهي مائة واحدة، وإن تعدد ككونها من بيع والأخرى من سلف فمائتان، وقولي: ولم يأمرهم بالكتب احترازاً مما إذا أمرهما به أولاً وثانياً فهو قوله: (ما لم يكن ذاك) الإشهاد (برسمين ثبت) في محل الخلاف مدة كون الإشهاد لم يثبت في رسمين بل كان في رسم واحد أو بغير رسم أصلاً أو برسمين بأمر المقر له، أما إذا كانا في رسمين بأمر المقر (فما ادعاه مشهد) من أنها مائة واحدة (لا يلتفت) إليه ويجب عليه المائتان. ابن رشد: لا خلاف في أنه إن كان في كتاب واحد أنه حق واحد، وكذا الإخلاف في أنه إن أشهد قوماً في كتاب ثم أشهد آخرين في كتاب آخر أنه يقضي عليه بالمائتين، وإنما مسألة الخلاف وإذا أشهد شهوداً بعد شهود بغير كتاب وبينهما مدة من الزمان، وإن كتب صاحب الحق بما شهد عليه كل جماعة كتاباً على حدة لم يخرج بذلك عن الخلاف. اهـ.وحاصله أن الصور الثلاث: أن يشهد المقر جماعة بعد أخرى ولم يكتبا أصلاً أو كتبا في كتاب واحد، فالقول للمقر بيمينه أنه حق واحد على الراجح من القولين، فإن نكل حلف الطالب وأخذ المائتين. والثانية: أن يشهدهما المقر ويأمرهما بكتابة ما أشهدهما به فكتباه في ذكرين فيلزمه المائتان كما في النظم. الثالثة: أن يأمرهما بالكتابة المقر له فيقول، لكل جماعة: اكتبا لي ما سمعتما من فلان فإن المقر لا يلزمه إلا مائة على الراجح أيضاً، وهذه هي التي أشار لها ابن رشد بقوله: وإن كتب صاحب الحق بما أشهد عليه إلخ. ومفهوم قوله: مشهد إلخ. أنه لو شهد اثنان أنه قبض مائة بمحضرهما يوم الأحد، وشهد آخران أنه قبضها بمحضرهما يوم الاثنين فعليه مائتان أيضاً انظر الشيخ (م) ولا بد. (ومن أقر) لزيد (مثلاً بتسعة) دنانير (وصح) بإقرار زيد (إن) قد (دفع) المقر (منها السبعة) مثلاً. (ثم) لما طالبه زيد بالاثنين الباقيين (أتى) المقر (من بعد ذا) أي إقرار زيد (ببينة) شاهدة له (بقبض دينارين منه معلنة) بذلك وبرئ على زعمه، فادعى زيد المقرّ له أن الدينارين المشهود بهما داخلان في السبعة. (فالقول قوله) أي المقر أنهما داخلان في السبعة (إن) بكسر الهمزة (الخصم) وهو زيد (ادعى دخول دينارين فيما اندفعا) ولا شيء عليه، وأشار به لقول ابن سلمون. وعن ابن القاسم وأصبغ: لو أقر لك باثني عشر ديناراً فثبت قبضك تسعة منها ببينة أو إقرار وله بينة بأداء ثلاثة، فزعمت أنها من التسعة فالقول قوله بأنها سواها وبرئ من الجميع، ونحوه في (ح) آخر الإقرار فانظره إن شئت، وتأمل قول ابن سلمون ببينة أو إقرار، فإن الصواب حذف قول ببينة لأنه إذا ثبت لها قبض تسعة وبينة أخرى ثلاثة بالمعاينة فيهما فإنه يبرأ اتفاقاً، وكذا لو شهدت واحدة أنه قبض منه تسعة بمحضرها ثم ثلاثة بمحضرها أيضاً. (وبيع من حابى من المردود) تقدم بيع المحاباة وتفصيله في فصل مصائلم من أحكام البيع، أنهما قولان درج الناظم هناك على أحدهما وهنا على الآخر، والمحاباة هي البيع بأقل من القيمة بكثير لقصد نفع المشتري أو بأكثر لقصد نفع البائع، فإن لم يقصد نفع من ذكر بل وقع للجهل بقدر الثمن فهو غبن، وتقدم الكلام عليه في فصله. وأما قوله: (إنْ ثبت التوليج بالشهود) فهو بأو العاطفة على حابى أي: وبيع من حابى أو ثبت توليجه بالشهود فهو من المردود، وهذه النسخة هي الصواب لأن التوليج والمحاباة متباينان، لأن التوليج هو العطية في صورة البيع، والمحاباة هي البيع بأقل من القيمة أو بأكثر كما مر، وأما نسخة إن ثبت إلخ. بأن الشرطية فلا تصح إلا على تأويل حابى بولج، فيكون المعنى وبيع توليج من المردود وإن ثبت التوليج بالشهود إلخ. وهي حينئذ على هذه النسخة مسألة واحدة بخلافه على النسخة الأخرى فهما مسألتان. أما مسألة المحاباة على ما درج عليه الناظم هاهنا فلا فرق فيها بين الوارث وغيره، فإذا باع من أجنبي أو ابنه أو زوجته أو أم ولد له ما يساوي مائة بعشرة ويشهد بذلك أرباب البصر ولم يخرجه من يده ولا حيز عنه حتى حصل المانع فبيعه مردود، وليس للمشتري إلا ثمنه على أحد قولين وهو ما للناظم هاهنا كما مرّ والاتفاق الذي في ابن سلمون لا يتم بدليل ما تقدم في فصل أحكام البيع، وأما مسألة التوليج فلا يرد البيع فيها إلا بأحد أمرين. (إما) بأن يشهد الشهود (بالإقرار) من المشتري بعد البيع وحصول المانع للبائع من موت أو فلس أو مرض أن البيع إنما كان صورة وإنما هي عطية (أو الإشهاد لهم) أي للشهود أي أشهدهم المشتري والبائع (به) أي بالتوليج (بوقت الانعقاد) للبيع فيقولان لهم وقت العقد: اشهدوا علينا بأن هذا البيع لا حقيقة له، وبمنزلة الإشهاد ما إذا حضروا معهما على وجه الاتفاق وسمعوا منهما ذلك من غير إشهادهما إياهم. قال ابن سلمون: وكيفية ثبوت التوليج أن يقول الشهود: توسطنا العقد بينهما واتفقا معاً على أن ما عقداه من البيع والتصيير سمعة لا حقيقة له، أو يقولوا أقر لنا بذلك المشتري بعد البيع. اهـ. زاد الشارح: أو يقولوا أشهدنا فلاناً وفلاناً على شهادتهما بأحد هذين الوجهين. اهـ. وما زاده إنما هو من باب النقل للشهادة فليس خارجاً عم في النظم وقولي: وحصول المانع إلخ. احترازاً مما إذا لم يحصل للبائع مانع فإن ذلك لا يبطل بل هو للمشتري إن حازه كان وارثاً أم لا. فإن ثبت التوليج بأحد الأمرين فلا إشكال، وإن لم يثبت بما ذكر فإن لم يثبت ميل البائع للمشتري فلا يمين والبيع صحيح. (ومع ثبوت ميل بائع لمن) وقع (منه اشترى يحلف) المشتري (في دفع الثمن) أي أنه دفعه وأنه اشترى شراء صحيحاً ويصح البيع، فإن نكل بطل البيع بمجرد نكوله لأنها يمين تهمة لا ترد، وظاهره أنه لا فرق بين وارث وغيره وهو كذلك، وما في ابن سلمون عن فقهاء قرطبة خلاف المعتمد لأن التوليج لم يثبت بأحد أمرين كما في مصطفى، وظاهره أيضاً أنه يحلف ولو عاينت البينة دفعه وهو الظاهر لأنه مع الميل قد يدفع إليه الثمن ليرده إليه وينتفي اليمين عنه، وقد عقد في لامية الزقاق للتوليج فصلاً أطال فيه، وذكرنا في حاشيتنا عليه ما يشفي الغليل إن شاء الله، فعليك به. وانظر الكراس الحادي عشر من معاوضات المعيار في مسألة الوصايا اختلف فيها فقهاء بجاية إن أردت زيادة التوسيع في هذا المعنى.
|